قال الله تعالى : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) ( ق 37 )
وقال الله تعالى : ( الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) ( الأنفال 2 )
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) متفق عليه
أعلاه يدعون إلى أن نهتم ونعتني بقلوبنا من النواحي الإيمانية أكثر مما نهتم به من النواحي الطبية فنقدم لقلوبنا الزاد الذي يجعله قلباً ربانياً قلباً متخشعاً لله عز وجل ، فالله عز وجل أثني على أصحاب هذه القلوب المطمئنة المُخبتة فيقول في كتابه العزيز :
{ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } ( سورة الحج ) .
فإن من القلوب نجد قلباً ميتاً بجسد حي قد اسودّ وأظلم من المعاصي والسيئات وإرتكاب الخطيئات ، فعلينا أن نعمل على ترويض قلوبنا على الوقوف عند أحكام الشرع ولا نجنح برغباتنا وأن نعمل على سوق القلوب إلى بواعث الخير والجرأة مع الحق والصدق في المقاصد والخوف من الله والبعد عمّا يُسخطه وأن نفرِّغها من الحسد والحقد والدقل والغش وأن نعمل على كظم الغيظ والعفو عن الناس وأن نعين الملهوف والمحتاج
قال الله تعالى
( الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين )
فهذا هو السبيل لزيادة التقوى في قلوبنا
ثم عليك لوم النفس ومقتها
يقول الإمام الحافظ ابن القيم رحمه الله : إن مقت النفس في ذات الله من صفات الصديقين , ويدنو به العبد من الله تعالى في لحظة واحده أضعاف ما يدنو بالعمل .
تأمل معي هذا النوع من الاسترسال من كلام ابن القيم رحمه الله في ألفاظ معاتبة النفس والأخذ بها إلى مقتها في ذات الله .
ولهذا يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا مدحه مادح : ( اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مما لا يعلمون ) .
نعم إن هذا هو شأن المسلم المتيقظ , يقول الإمام الحسن رحمه الله :
إن المؤمن ( والله ) ما تراه إلا يلوم نفسه في كل حالاته يستقصرها في كل ما يفعل فيندم ويولم نفسه
وإن الفاجر ليمضي دوماً لا يعاتب نفسه
فكم يستوقفني التأمل على حال من لا يهمه في الدنيا
إلا الكبر والبطر وغمط الناس والترفع عن الخلق والإعجاب بالعمل ولأجدني أقول كمال قال أبو الدرداء
رضي الله عنه : ( لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتاً )
فمعاتبة النفس ومقتها في ذات الله عبادة يصلح بسببها القلب والنفس والجوارح ومن ثم أعلمي أن التوبة طريق للإصلاح وتكفير الذنوب والله تعالى يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن سيئاتهم ما دام أنهم تابوا إلى الله توبة صادقة .
أخرج الإمام البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( سمعت رسول الله يقول و الله إني لأستغفر الله و أتوب اليه في اليوم أكثر من سبعين مره )
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره و قد أضله في أرض فلاة )متفق عليه.
و في روايه الإمام مسلم رحمه الله ( لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه و عليها طعامه و شرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها و قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامه ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي و أنا ربك.أخطأ من شدة الفرح )
و عن أبي موسى عبدالله بن قيس الأشعري رضي الله عنه عن النبي قال : ( إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار و يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ) رواه الإمام مسلم
وتأملي هذه القصة التي ذكرت عن بعض السلف قال : أنه رأى في بعض السكك باب قد فتح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي , وأمه خلفه تطرده حتى خرج , فأغلقت الباب في وجهه ودخلت فذهب الصبي غير بعيد ثم وقف متفكرا , فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه , ولا من يؤويه غير والدته , فرجع مكسور القلب حزينا فوجد الباب مرتجا فتوسده ووضع خده على عتبة الباب ونام , وخرجت أمه , فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمت نفسها عليه , والتزمته تقبله وتبكي وتقول : يا ولدي , أين تذهب عني ؟ ومن يؤويك سواي ؟ ألم أقل لك لا تخالفني ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة بك والشفقة عليك . وارادتي الخير لك ؟ ثم أخذته ودخلت
فتدبري : لا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة والشفقة
فما يفعله المسلم أو المسلمة سابقاً من خطأ و الخطأ في شريعتنا السمحة تكفره التوبة الصادقة الى الله عز و جل فالله تعالى يقول في كتابه العزيز( وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً ) و المقصود من يفعل الشرك و قتل النفس و الزنا و نحو ذلك من المحرمات فالله تعالى يقول ( يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً ) فتأمل ماذا بعد هذه الآية قال الله تعالى ( إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ) تأملت معي هنا أن الله تعالى يبدل سيئات التائب الصادق في توبته و يجعل تلك السيئات حسنات فهذا فضل الله العظيم و هذا من رحمته بعباده , قال الله تعالى ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) و الله تعالى و عد التائب الصادق النادم بقبول توبته و العفو عنه فقال تعالى ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون( أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ )
قال الله تعالى ( إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ) تأملت معي هنا أن الله تعالى يبدل سيئات التائب الصادق في توبته و يجعل تلك السيئات حسنات فهذا فضل الله العظيم و هذا من رحمته بعباده , قال الله تعالى ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) و الله تعالى و عد التائب الصادق النادم بقبول توبته و العفو عنه فقال تعالى ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون( أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) . فيا أختي الفاضلة ما فعلته بالماضي أرجو أن تصدقي في توبتك و ندمك و أبشري بخير بشرنا به القرآن و بشرنا به محمد صلى الله عليه و سلم أن من تاب و صدق في توبته و علاه الندم فان الله عز و جل يتوب عليه ثم تأملي بشارة الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم بقوله ( إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار و يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ) , فما أجمل التوبة الصادقة تقشع عنك الهموم و تزيل عنك الغموم بإذن الله .
ثم نجد أن التوبة تطهر الإنسان من ذنوبه و أخطائه بل إن الله عز و جل يفرح بتوبة عبده المخطئ حينما يتوب إلى ربه عز و جل , أختي مهما بلغت ذنوبك و لو بلغت عنان السماء و عدد الشجر و الحجر ثم تبت إلى الله عز و جل توبة نصوحاً فإن الله وعد بقبول توبة العباد إن هم صدقوا .
ثم أوصيك بملازمة العبادة و التقوى و كثرة الدعاء و الذكر و تلاوة القرآن و الرفقة الصالحة الطيبة التي تعينك بعد الله عز و جل على الاستقامة و الثبات على الدين .
أختي بارك الله فيك و في توبتك فهنيئا لك التوبة فانطلقي في الحياة بعد سموم الذنوب تائبةً فرحةً بالعودة إلى الله عز و جل فالله يحب التائبين يحبهم لأنهم عباده الذين أذنبوا و تذكروا رباً يغفرالذنوب جميعا تذكروا رباً عظيماً يدعوهم إلى التوبة تذكروا غفوراً رحيماً أرحم بالعباد من الأم بولدها , فأنت التائبة إلى الله عز و جل فأحسني الظن بالله , و أسأل الله عز و جل أن يغفر لي و لوالدي و يغفر لك أختي جميع ذنوبك و يغفر للمسلمين و المسلمات الإحياء منهم و الأموات
ولهذا يقول مالك بن دينار رحمه الله : ( رحم الله عبداً قال لنفسه الستِ صاحبة كذا ؟ الستِ صاحبة كذا ؟ ثم ذمها ثم خطمها ثم ألزمها كتاب الله عز وجل فكان لها قائداً ) .
فما أجمل أن نعاتب أنفسنا ونعمل على مقتها في ذات الله .