احدهم طرح مقالة في القضاء والقدر فقال
مُـسـيّــر أم مُـخـيّــر::
--------------------------------------------------------------------------------
هو إشكال فلسفي، أمّا على المستوى الشعوري فالكل يدرك أنّه مخيّر، والنص الديني يُصرّح بذلك. ومن هنا سيبقى هذا السؤال مطروحاً في عالم الفلسفة فقط. أمّا واقع الناس فيحكمه الواقع الشعوري المنسجم مع النص الديني، المتمثل بالقرآن والسنّة
لقد جاءت النبوّات، وكذلك الرؤى الصادقة، لتخبر الإنسان بوجود العلم بالحدث قبل حصوله. وخاصة في القضايا التي تنعدم مقدماتها. فالنُبُوّات رحمة، وكذلك الرؤى الصادقة، لأن الإخبار بالغيب المستقبلي يجعل الإنسان متعقّلاً لقضّيةٍ يستحيل تصورها، فمن يستطيع أن يتصور كيف يمكن معرفة الغيب قبل سنوات من وقوعه؟! وبمعنى آخر: كيف يمكن للإنسان أن يتصور وجود القضاء قبل وقوعه قدراً؟! والذي لا يستطيع أن يتصور ذلك لا بد أن ينكر، وهو معذور في إنكاره، لأنه لا يطيق ذلك، فجاءت النبوّات، وكانت الرؤى الصادقة، فأصبح الأمر في دائرة التعقل، ومن هنا لم يعد هناك عذر للإنكار.
بعد أن آمن الإنسان عن طريق النبوّات والرؤى الصادقة بوجود العلم بالواقع قبل حصوله واقعاً، أي بوجود القضاء قبل وقوعه قدراً، نشأت لديه مشكلة فلسفية، لا تزال تحيّر عقول البشر. ويمكن تلخيص هذه المشكلة في الآتي:
بما أن الله يعلم ما سأفعل،
وبما أنّ علم الله لا يخطئ،
إذن أنا لا بد أن أفعل،
إذن أنا مجبر
قلنا إن هذه المشكلة هي مشكلة فلسفية، والإنسان لا يشعر بها قبل أن تطرح على عقله، بل لم يكن ليطرحها قبل أن يؤمن بأن علم الله المطلق يحيط بكل شيء، حتى بالواقع قبل أن يكون واقعاً. وهي مشكلة تتناقض مع ما يشعر به من حريةٍ واختيار.
الـــــحــــــــل
صفة العلم صفة كاشفة غير مؤثرة في العالم الخارجي. اما صفة القدرة فهي صفة مؤثرة في الأشياء، بل لا توجد صفة غيرها مؤثرة. فعندما نتحدث عن عالم التأثير نعبّر بالقدرة. وهذا أمر بدهي. وإذا عرفنا هذا أمكننا أن نوجد حلاً للمشكلة الفلسفية: (بما أنّ الله يعلم ما سأفعل، وبما أنّ علمه لا يخطئ، إذن أنا لا بد أن أفعل، إذن أنا مجبر) . كيف يمكننا أن نكشف الخطأ في هذا المنطق؟! وكيف يمكن أن نكشف عدم وجود علاقة بين المقدمات والنتيجة ؟! يمكننا أن نكتشف ذلك بسهولة إذا عوّضنا مكان كلمة (يعلم) و (علمه) كلمات: (يكشف) و(كشفه) فتصبح المقولة : (بما أنّ الله يكشف ما سأفعل، وبما أنّ كشفه لا يخطئ، إذن أنا لا بد أن أفعل، إذن أنا مجبر) بهذا التعويض يتم كشف زيف هذا المنطق؛ فالمقدمة تتحدث عن صفة العلم، والتي هي صفة كاشفة غير مؤثرة، والنتيجة تتحدث عن القدرة، والتي هي صفة مؤثرة، لأن الإجبار لا يكون إلا بالقدرة، فقولنا: (إذن أنا مجبر) يعني: (إذن أنا مؤثَّر عليّ) .
فأين القدرة في المقدمات؟! وكيف أنتج الكشف تأثيراً؟
اذن هو التناقض الناتج عن محاولة تصور اللانهائي، والناتج عن استخدام منطق عالم النهائي لفهم عالم اللانهائي. وبهذا نكتشف عجز العقل البشري عن التعامل مع عالم اللانهائيات، فلم تعد المقدمات المنطقية تقود إلى نتائج صحيحة. وبعد أن تكشّفت لنا حقيقة العقل البشري، ومحدوديته، كان لا بد من الاكتفاء بالنبوّات والرؤى الصادقة لإثبات واقعية عالم القضاء. فإذا كان الشعور بحرية الاختيار كافياً لاقناع الإنسان بأنّه مخيّر، فإنّ الإحاطة بعالم الغيب المستقبلي قبل حصوله يكفي لتحصيل القناعة بحقيقة هذا الوجود.