الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
النبي صلى الله عليه وسلم أراد بجديته أن يعمل على تحقيق التربية الإيمانية لهذه الأمة ومن هذا المقتضى قال : ( احفظ الله يحفظك ) يريد بذلك احفظ حدود الله وأوامره ونواهيه وذلك بالامتثال لما أمر واجتناب ما عنه نهى وزجر قال الله تعالى في شأن الحافظين لأوامره (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ {32} مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ) سورة ق وذكر المفسرون عند قول الله تعالى (لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ) معنى الحفيظ : هو الحافظ لأوامر الله والحافظ لذنوبه ليتوب منها ولهذا جاء في الحديث ( احفظ الله يحفظك ) في ناحيتين ومعناه ( يحفظ الله ) في مصالح الدنيا كحفظ البدن والولد والأهل والمال قال الله تعالى : ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ) أي يحفظونه بأمر الله وهم الملائكة يحفظون هذا العبد من آفات الدنيا بأمر الله فمن حفظ الله في شبابه حفظه الله عند كبره وهرمه وضعف قوته فيمتعه بالسمع والبصر والحول والقوة والعقل فلقد كان الإمام محيي الدين الطبري وقد جاوز المئة من عمره وقد كان عقله حاضر ووثب ذات يوم وثبه شديدة فعوتب في ذلك فقال هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر حفظها الله لنا في الكبر , ولهذا كان أحد السلف يمشي في طريق فوجد شيخاً كبيراً يسأل الناس فنظر إليه وقال هذا ضيع الله في صغره فضيعه الله عند كبره ولهذا يقول ابن الجوزي رحمه الله : وقد يُهان الشيخ في كبره حتى ترحمه القلوب ولا يدري أن ذلك لإهماله حق الله تعالى في شبابه ومن حفظ الله تعالى أن يحفظك في أولادك وذريتك بعد موتك كما قال الله تعالى : ( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ) وكان سعيد بن المسيب يزيد في صلاة النوافل فقال لابنه إني لأزيد في صلاتي من أجلك رجاء أن أُحفظ فيك ثم تلا قول الله تعالى ( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ) ومن حفظه تعالى أن يحفظ الله لك دينك وإيمانك يحفظك من الشبهات والشهوات حتى يتوفاك على كلمة الإخلاص على التوحيد والإيمان كما قال الله تعالى في حق نبيه يوسف عليه السلام حين راودته امرأة العزيز ( كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ) يقول ابن عباس رضي الله عنهما عند قول الله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ) قال رضي الله عنه : أي يحول بين المؤمن وبين المعصية التي تجره إلى النار