الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين ونسأل الله لكم الثبات والتوفيق
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
قال ابن منظور التشديد خلاف التخفيف وشاده مشادة وشداداً أي غالبه ( نهينا عن التشدد قال الله تعالى ( يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم ولا تقلوا على الله إلا الحق )
ولذلك من التشدد. التشدد في العبادات مثل من يشدد على نفسه في أمر الصلاة أو الصيام فتجد بعضهم يتشدد بحيث إذا أعذر في جمعها أو قصرها كما هو في السفر يتشدد ويصلي تامة يخشى قبولها جمعاً وقصراً وهكذا وكذلك المريض له أن يصلي قاعداً لعدم إستطاعته فيأبى أن يصلي قاعداً وهو غير قاعد على القيام وكذلك نجد من يصوم وهو مريض لا يقوى على الصيام فيتشدد في أمر الصيام وهو معذور وهذا تشدد في غير محله .
أما التنطع فيختلف عنه لأن التنطع هو التعمق في الشيء مع التكلف .
قال الإمام ابن رجب الحنبلي في كتابه جامع العلوم الحكم : ( المتنطع هو المتعمق البحاث عما لا يعنيه فإن كثرة البحث والسؤال عن حكم ما لم يذكر في الواجبات ولا في المحرمات قد يوجب إعتقاد تحريمه أو إيجابه لمشابهته لبعض الواجبات أو المحرمات فقبول العاقبة فيه وترك البحث عنه والسؤال خير )
روى الإمام مسلم رحمه الله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هلك المتنطعون قالها ثلاثاً )
وقال بعضهم في تعريف النطع هو الغلو في العبادة والمعاملة بحيث يصل إلى المشقة الزائدة .
قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم (أي المتعمقون الغالون المجاوزون لحدود أقوالهم وأفعالهم )
وقد ذكر أهل التراجم أن المنصور العباسي رحمه الله لما طلب من الإمام مالك رحمه الله أن يضع كتاباً يضعه فقهاً للأمة ويمنع ما سواه من كتب أهل العلم ووصاه أن يتجنب شدائد ابن عمر ورخص ابن عباس وشواذ عبد الله ابن مسعود رضي الله عنهم جميعاً .
لكن لا نفهم أن تشدد ابن عمر وترخص ابن عباس وشواذ ابن مسعود كما هو التشدد الحاصل فما عندهم يختلف عن التشدد الحاصل في هذا الزمن فمن شدائد ابن عمر أنه كان يصوم يوم ليلة التسع والعشرين من شعبان من باب الإحتياط وعبد الله بن عباس لا يصومه وكان ابن عمر رضي الله عنه إذا مسح رأسه يأخذ ماءً جديداً لمسح أذنيه وهذا مرجوح بأن الأصح مسح الأذنين بالماء الذي مسح به رأسه وأيضاً كان ابن عمر يتيمم بضربتين ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين وابن عباس يقتصر بضربه واحدة وهكذا